نزعة الكاظمي الإصلاحية
أ.د. محمد الدعمي
لا يعرف عن السيد مصطفى الكاظمي الكثير، بيد أن مجرد لقبه، “الكاظمي”، يدل على أنه ينتمي اصلاً الى مدينة الكاظمية، وهي مدينة من مدن المزارات الدينية الشهيرة في العراق، سوية مع سامراء وكربلاء والنجف.
ربما كان هذا هو ماجعلها مدينة بساتين غنّاء، وكانت قد تضخمت خلال القرن الماضي حتى التصقت ببغداد، كما هي حال شقيقتها”الأعظمية”(نسبة الى الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان).
وإذا كانت الكاظمية قد اكتسبت اسمها من مرقدي الإمامين الكاظميين (كاظمي الغيظ)، موسى بن جعفر ومحمد الجواد، إلا أنها اشتهرت بكونها من مراكز العلوم الإسلامية البارزة عالمياً، ناهيك عن بيوتات العلم فيها، من أمثال بيت الوردي أو بيت آل الورد وبيت آل ياسين، من بين سواهما، ناهيك عن الشاعر عبد المحسن الكاظمي الذي حفظنا شيئاً من ابيات شعره المعروفة بالنزعة الوطنية والدينية. لقد دشن السيد مصطفى الكاظمي قيادته الحكومة العراقية بعدد لا بأس به من الوعود المهمة بالإصلاح، الأمر الذي استبشر به الجمهور العراقي كثيراً بعد نحو عقدين من الحكومات الضعيفة التي نهشها الفساد، وسوء الإدارة، وقصر النظر. ومن أهم وعوده بالإصلاح هو ترجمة نزعته التصحيحية بما يلي:
1- محاسبة” حيتان الفساد”، أي كبار الموظفين الذين اشتهروا، ليس بالخدمة العامة، ولكن بنهب ثروات البلاد والعباد، أي هؤلاء الذين تتالوا على المناصب الحساسة والمهمة في عراق مابعد 2003.
2- محاكمة قتلة المتظاهرين الذين احتجوا في ساحة التحرير، وبخاصة هؤلاء من المسؤولين الذين أصدروا الأوامر بالرمي، ناهيك عن المنفذين.
3- غلق ابواب هدر المال العام، من نوع المرتبات الأسطورية التي خصصت لهؤلاء الذين عرفوا بــ”جماعة رفحاء” أو الذين عرفوا بــ”الفضائيين”.
4- إعلانه متابعة ومحاسبة سراق المال العام من الذين يتسلمون أكثر من مرتب واحد من ميزانية الحكومة العراقية، وهم يقدرون باعداد كبيرة، كالسرطان الذي يسري في جسد العراق دون القدرة على استمكانه أو إيقافه.
دع عنك وعود أخرى، لو أنها نفذت أو تحققت لتمكنت من انتشال العراق من المنحدر الحاد الذي يتدحرج فيه منذ الاحتلال الأميركي، سنة 2003.
بيد أن السؤال الأهم، هو: هل سيتمكن الكاظمي (بافتراض جدية وعوده) أن يتجنب ألاعيب وحيل”حيتان الفساد” الذين اعتاشوا على السحت الحرام منذ عقدين، ناهيك عمّن إعتاش عليهم من الذين شكلوا سلاسل طفيلية، بل وشبكات فساد، لا يمكن أن تتنازل عما حصلت عليه مما “نهب” خلال السنين العجاف الماضية.
لذا، فان على الكاظمي أن يدرك جيداً أنه أمام مهمة صعبة وقاسية، ولو اراد أن يفعل ما وعد به سيكون أمام مواجهات وصدامات عنيفة وصعبة، وعصية على التحقق بمجرد الأنشطة اللفظية. وللمرء أن يفترض أن الكاظمي يعرف المخاض العسير الذي ينتظره إن اصر على وعود من نوع جمع الأسلحة بيد الدولة فقط، وحل الميليشيات التي عاثت بالأرض فساداً.
من جانبي، أنا أؤيد الكاظمي بكل اخلاص وصدق، لكني أخشى عليه من العوائق التي تنتظره، زيادة على تلك المطبات الجسام التي تحيط به من كل اتجاه حاليا. صلواتنا وتمنياتنا الى السيد الكاظمي عله يحقق بعضا مما وعد!
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
maldaami@yahoo.com