نظرة سريعة حول إفادة غريفيث وما تتطلبه المرحلة
عبدالكريم أحمد سعيد
في جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة لم يتطرق المبعوث الدولي الى اليمن مارتن غريفيث بوضوح لمطالب الجنوبيين وحقهم في تقرير المصير، ولم يرد ذكر القضية الجنوبية في خطب المتحدثين لممثلي الدول العظمى خلال مجريات الجلسة، إلا أن بعض الجنوبيين يعتقد ان مجرد الإشارة من المفوض الأممي خلال إفادته عن تطورات الأزمة أمام مجلس الأمن يوم 16 نوفمبر الماضي، بضرورة حل القضية الجنوبية حلا عادلا خلال مرحلة انتقالية يعتبر مكسبا سياسيا كبيرا للجنوبيين، بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك ليعتبره مكسب تاريخي، وكذلك ما جاءت في مداخلة ممثلة المجتمع المدني رشاء جرهوم،التي ربما لقيت إشادة وتأييدا واسعين وغير متوقعين، ما قد يعتبر وفق قراءت البعض بداية لإقرار دولي بالقضية الجنوبية، معللين ذلك بما يسمونه في المقابل تجاهل الأعضاء لما يسمى المرجعيات الثلاث لحل الأزمة اليمنية باستثناء عضوين، إضافة إلى كلمات ممثلي الدول العظمى في مجلس الأمن الدولي، التي لم تركز كثيرا على القرار الأممي 2216، إلا بإشارات عابرة، لربما قرأها البعض هكذا من الناحية القانونية، وتسمية ذلك بمثابة تراجع واضح عما شهدته جلسات الإفادة السابقة للمجلس.
في الجانب الآخر يرى البعض أن تأكيد المبعوث الأممي على عدم اكتمال دور الحكومة، او ما أسماه “ضعف الحوكمة” تحديدا من فوضى في الجنوب، او على الأقل قراءته بمثابة تحذير مما أسماه العمل غير المكتمل في الجنوب، ويعني فيه مخاوف من الانفلات الأمني الذي سيكون مرده إلى ما أسماها المليشيات المسلحة، ما سيمكن البعض من قراءته على انه يقصد بهذا قطاعات وفصائل المقاومه الجنوبية، وكذلك ضعف أداء مؤسسات الدولة هناك، وبالذات ما أسماها “الهشة والرخوة” التي تعيش حالات فساد مستشر وواضح، وإذا ما سار هذا الفهموم لإفادته (تحذيراته) بعيدا في هذا المنحى، سيؤسس منطلقا لمساعي أعداء القضيه الجنوبية وتصويرها على انها ليست أكثر من مشكلة لحالة سياسية يمكن حلها في إطار حلحلة ملفات الأزمة اليمنية كاملة، ما قد يصورها على انها ليست قضية دولة، ومصير وهويه، يقف خلفها شعب بأكمله، وبالذات ممن يسعون إلى تفسيرها بمفهوم مخالف لها، كقضية تشكل مفهوم وجوهر صراع الحركة الثورية الجنوبية مع منظومة قوى الإحتلال بصنعاء، بشكليها القديم والحديث، وذلك من خلال إقصاء الصوت الجنوبي في مفاوضات الحل المرتقبة.
يسعى الحوثيون وما يسمى الشرعية اليمنية معا إلى جانب قوى إقليمية ودولية للاتفاف على القضية الجنوبية، بعدم إشراك المجلس الانتقالي الجنوبي في المباحثات المقبلة كطرف أساسي يمثل الإرادة الشعبية الجنوبية، ومقاومته التي حققت ومازالت تحقق الانتصارات على الأرض، وهي المسيطرة الفعلية على المناطق الجنوبية المحررة، وتقاتل الحوثيين في كل الجبهات الشمالية، إلى جانب محاربة الإرهاب والتطرف والفساد داخل منظومة الدولة اليمنية المتهالكة.
إن تحركات الأمم المتحدة عبر ممثليها الدوليين في اليمن بدءا بالاخضر الابراهيمي وجمال بن عمر وولد الشيخ وأخيرا مارتن غريفيث، كانت ومازالت تبحر في أجواء غير طبيعية، تخيم عليها سحب سوداء فوق سماء الحزينة عدن تصحبها رياح وعواصف رعدية تنذر بكوارث إنسانية، ما يصعٌب وصول المركبة الدولية لمحطتها الأخيرة لتحقيق السلام العادل في اليمن، والسؤال: لماذا كل مبعوثي الأمم المتحدة يتجاهلون القضية الجنوبية رغم عدالة مطالبها، وأهميتها لإحلال السلام في المنطقة، ومحاربة الإرهاب والتطرف، وتأمين الممرات الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، وفي الوقت نفسه يولون جل اهتمامهم وحرصهم على بقاء الحوثيين كقوة سياسية وعسكرية أشبه بـ”حزب الله” في لبنان؟
هذا السؤال لم نجد له إجابة مقنعة من اللاعبين الدوليين والإقليميين، حيث أن حل الأزمة اليمنية يتطلب إلى إرادة إقليمية ودولية لتقديم حلول شاملة وعادلة، والغوص في جذور الأزمة اليمنية (القضية الجنوبية) باعتبارها مفتاح الحل الحقيقي، وبضمانات دولية جادة لانجاح عملية التسوية السياسية.
في مثل هذه الظروف التي يمر بها الوطن، والتحدي الذي يواجه الجنوبيون يضع الجميع أمام المحك لاستشعار مخاطر المرحلة وتعقيداتها، وحجم المؤامرة التي تحاك على الجنوب من قوى مختلفة (داخليا وخارجيا) يتطلب من الجميع رفع اليقظة والحذر، ورص الصفوف خلف المجلس الانتقالي الجنوبي في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الجنوب السياسي، وعلى المجلس الانتقالي اتخاذ مواقف قوية وصارمة، لا تقبل التراجع أمام تلك الأطراف التي تحاول تجاهل القضية الجنوبية، لتمرير مشاريعها الخاصة على حساب شعبنا، بل التصدي لها بكل الوسائل الممكنة، كونها قضية شعب ووطن ضحى بقوافل الشهداء والجرحى في سبيل حريته وعزته وكرامته لإستعادة دولته وهويته الجنوبية، وعلى قيادة المجلس الانتقالي أيضا الإسراع في إتخاذ الخطوات والتدابير الضامنة لتحقيق النصر، وفق دراسة معمقة، وتقييم مدى النجاح على أرض الواقع من مختلف الجوانب، بحسابات علمية دقيقة وعقل سياسي متمكن.
ونؤكد على أهمية مايلي:
• رفض أي مشاركة جنوبية في لقاء السويد إن لم يكن الجنوب طرفا أساسيا في التفاوض بوفد جنوبي بقيادة المجلس الانتقالي، مع رفض أي مشاركة ديكورية للجنوبيين يتم تفريخها من الشرعية اليمنية كما فعلت في مؤتمر الحوار الوطني.
• العمل على تماسك الوحدة الداخلية، والتواصل مع جميع شرائح المجتمع الجنوبي، والعمل بين الجماهير، وداخل المؤسسات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز اللحمة الجنوبية وتقوية الموقف الجنوبي لمواجة التحدي المقبل.
• تحريك الشارع الجنوبي للخروج بمظاهرات سلمية للتعبير عن مطالب الشعب الجنوبي المشروعة، والضغط على المبعوث الدولي في عدم تجاوز القضية الجنوبية باعتبارها القضية المركزية، ومفتاح حل الأزمة اليمنية، وكونها قضية شعب ووطن لا يقبل المساومة.
• تحريك الديبلوماسية الجنوبية وتفعيل العمل السياسي والإعلامي بما يتناغم مع ضغط الشارع الجنوبي.
لقد حان الوقت لصحوة الضمير وتشغيل العقل الجنوبي كما يجب لانقاذ الوطن والشعب من التوهان والمقبل المجهول. العالم اليوم لا يعترف إلا بالاقوياء، ومن يفرضون أنفسهم على الأرض، والدليل على ذلك الحوثيين؛ أكثر من اربع سنوات من الحرب والأمم المتحدة تراضيهم، وتضغط على التحالف العربي لعدم حسم معركة الحديدة!
كما أن الجنوبيين بحاجة إلى حلفاء دوليين لدعم قضيتهم إذا ما تحركوا وفقا لتحالفات الضرورة سعيا لتحقيق الهدف المنشود للشعب، فلابد من قرع كل الابواب، والتواصل مع القوى المؤثرة في صنع القرارات الدولية (البيت الابيض والكرملين) وباريس ولندن وبكين وبرلين.
لأطراف اليمنية الأخرى تتحرك منذ زمن طويل داخل لوبيات العالم المختلفة، حتى مع اللوبي الصهيوني، لتقدم لهم العروض المغرية لكسب تأييدهم مقابل أن يبقى الجنوب تحت سيطرتهم، مما جعل القضية الجنوبية أكثر تعقيدا، لتمر بوضع استثنائي غريب، يضع علامات استفهام كثيرة تجاه السياسة الدولية غير المتوازنة، والموقف العربي السلبي الهزيل.
ديبلوماسي وناشط سياسي يمني