وحدة الصف والهدف لتحقيق النصر
عبدالكريم أحمد سعيد
ofr.stca@gmail.com
يمر جنوب اليمن بمرحلة تاريخية صعبة ومعقدة في ظل الحرب الدائرة باليمن، يتطلب تضافر الجهود والعمل الجاد والمخلص من قبل جميع شرائح المجتمع الجنوبي، وقواه السياسية المؤمنة بعدالة القضية الجنوبية، وحق شعبنا في استعادة دولته، بنظام ديمقراطي فيدرالي جديد، يسوده العدل والمساواة، في ظل هيبة الدولة “النظام والقانون” الذي نسعى لتحقيقه وينشده شعبنا، وضحى من أجله خيرة شبابه ورجاله، في سبيل التخلص من الجهل والتخلف والمرض الموروث من العهود الظلامية البائدة، التي جسدها نظام عفاش في عقول وسلوك الناس لتصبح واقعا يمنيا يتسم بـ”الدوغماتية”، مختلفة تماما عما يسود في المنطقة والعالم، وهو ما أدى إلى تفاقم حدة الخلافات الداخلية في ظل هشاشة الدولة، قاد إلى انتكاس تجربة الوحدة اليمنية وفشلها، وخروج المارد الجنوبي ليعلن رفضه لهذا الواقع المؤلم..صحوة متأخرة لتصحيح خطأ تاريخي أوصل الجنوبيين إلى هذا المستنقع الخطير، بعد إدراكهم خيوط اللعبة السياسية، وخبث ومكر الطرف الآخر، وما ترتب عليها من نتائج كارثية، أصبحت تهدد الجنوبيين، أرضاً وإنساناً.
لهذا انتفض الجنوبيون “الحراك الجنوبي السلمي” منذ عام 2007 والتف الشعب حول قيادته السياسية الجنوبية رغم اختلاف الرؤى وما يعانون من مخلفات جائحة وباء صالح وحكمه خلال الـ 25 عاما الماضية، التي أفسدت قيم وأخلاق الناس، إلا أن الجنوبيين استطاعوا التغلب عليها، وهاهم اليوم يوصلون صوتهم للاقليم والعالم كونهم أصحاب حق ولديهم مشروع سياسي واضح بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة اللواء عيدروس قاسم الزبيدي المفوض من قبل الشعب الجنوبي في الرابع من مايو 2017، كما جاء في بيان عدن التاريخي، وهو بمثابة استفتاء شعبي عام جسد واقعا سياسيا جديدا على طريق استعادة الدولة الجنوبية، بعد طرد القوات الشمالية وتشكيل جيش وأمن جنوبي لمحاربة التطرف والإرهاب والدفاع عن المكاسب والانتصارت التي حققها ضد القوى الغازية للجنوب عام 2015 ( الحوثية-العفاشية) أذناب إيران في اليمن.
بعد الفشل العسكري للقوى الشمالية وعملائهم في الجنوب، لجأوا كعادتهم إلى زرع وتغذية الفتن لمحاولة شق وحدة الصف الجنوبي لإضعافه من الداخل، من خلال إحياء الثارات والصراعات والعزف على المناطقية المقيتة التي قد تجاوزها شعبنا وتعلم منها الدروس والعبر بإعلان التصالح والتسامح في جمعية رفان بعدن عام 2006.
ما نواجهه اليوم في الجنوب هو حالة استثنائية عابرة، مرتبطة بوضع نفسي وذاتي لدى بعض النخب والقيادات الجنوبية التي تشعر بأن المجلس الانتقالي الجنوبي قد سحب البساط من تحت أقدامها، وأصبح واقعا ملموسا على الأرض” رقم صعب في المعادلة السياسية الجنوبية” يتابعه الإقليم والعالم بكل اهتمام، مما جعل بعضا من الرموز السياسية الجنوبية التي ترى أن مصالحها الخاصة تكمن بالعودة إلى صنعاء”وهم قلة” لتتخذ موقفا عدائيا تجاه المجلس الانتقالي الجنوبي، تعمل ليل نهار على تشويهه والتقليل من أهميته، بل والتشكيك بقدراته والتحريض عليه.
هناك أيضا رموز وقوى سياسية أخرى ربما لديها بعض التحفظات أو الملاحظات حول تشكيلة وأداء المجلس، لكنها تقف إلى جانبه وتعمل على تقديم النصح والمشورة، وتدعو للحوارات الوطنية ورفض استخدام القوة العسكرية بين الجنوبيين مهما بلغت الاختلافات فيما بينهم، حفاظا على هذا المكون الوطني الجامع للجنوبيين.
ليس من مصلحة الجنوبيين ظهور أي معارضة للمجلس الانتقالي في الوقت الحاضر، ولا يمنع من وجود معارضة قوية بعد استعادة الدولة في ظل التعددية السياسية والحزبية التي سيقرها الدستور الجديد، بالاحتكام للشعب عبر صناديق الاقتراع والانتخابات الحرة والنزيهة.
اليوم ليس وقت الخلاف على سلطة لم نملكها بعد، رغم تواجدنا على الأرض، فما زلنا تحت الاحتلال عالقين بعقد الوحدة المشؤومة، ولم نستطع الحصول على الاعتراف الدولي بعد، لاستعادة مقعد دولة الجنوب في الأمم المتحدة، وهي المهمة الرئيسة التي ينبغي التركيز عليها اليوم، وقد أصبحنا قريبين جدا من تحقيق هذا الهدف الذي نسعى إليه.
على المجلس الانتقالي الجنوبي الإسراع في إعداد ميثاق شرف جنوبي يشرك فيه كل القوى السياسية والشخصيات الاجتماعية، لتجسيد مبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية لكل أبناء الجنوب للمساهمة في بناء الدولة المدنية الحديثة وفي إعداد دستورها الجديد الذي يستمد قوته من الشعب … ولا صوت يعلو فوق صوت الشعب.
نأمل أن تصحو الضمائر ويرتفع صوت العقل والحكمة لينتصر الحق ، في هذه المرحلة الفاصلة التي تتطلب رص الصفوف وتماسك الوحدة الداخلية، وتأجيل كل الخلافات الثنائية، لنجعل من الموقف الإنساني لمواجهة جائحة “كورونا” الكارثية فرصة للتقارب وتضييق المسافات بين الجنوبيين، استجابة لخطورة اللحظة وتطلعات الجنوبيين المشروعة والتي لا يمكن القفز عليها.
كاتب وديبلوماسي يمني