يا ولاة الأمر… أنقذوا البلد

0 210

كتب ـ أحمد الجارالله:

يتألَّمُ المرءُ حين يرى وطنَهُ تحوَّل غابة مشكلات وأزمات، فيما تنحّى كلُّ مسؤول جانباً، وترك الأمور تجري على عواهنها، كأنَّ البلاد انطبق عليها بيت شعر الحلاج:
“ألقاه في اليمِّ مكتوفاً وقال له:
إياك إياك أن تبتلَّ بالماءِ”
لأنَّ الرياح الهوجاء تعصفُ فيها من كلِّ جانب.
في كلِّ العالم، باستثناء الدول الفاشلة التي فقدت مناعتها الوطنية، حين تقع مشكلة ما، هناك قيادة تتحمل مسؤولياتها، فتُمسك زمام الأمور بحزم، ليس فقط في ما يتعلق بالفساد الذي قال عنه، المغفور له الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله: “لا تشيله البعارين”، بل حتى في أصغر هفوة يقع فيها مسؤول.
هذا الأمر ينطبق على الملكيات والجمهوريات، في أعرق الديمقراطيات؛ لأنَّ أيَّ خلل في البناء يتسبَّب بهدمه، فكيف إذا كانت الدولة مشلولة، تتقاذفها الأهواء الشخصية والانتماءات القبلية والطائفية والمناطقية، وتسود فيها المصالح الخاصة، فيما يغيب القانون الذي وضع في الأصل لتحقيق العدالة، وتنظيم المجتمع؟!
رغم ذلك تبقى في القوانين ثغرات يتسلل منها الفاسدون، ويستغلونها في المحاكم عبر إطالة الدورة المستندية حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فإما يموت المُدَّعي أو تتيسر لهم مخارج للبراءة.
لذلك يتحرك القادة لوضع النقاط على الحروف، خصوصاً حين يستفحل الفساد، ويصبح للمُستفيدين منه جماعة وعزوة، قبلية أو طائفية أو حزبية، أو نواب في البرلمان، كما هي حال الكويت التي لم يَرَ البرلمانيون من الديمقراطية فيها إلا الجانب السلبي فقط، لذا تحوَّلت قاعدة “شيلني واشيلك” المفتاح الذي يفتح أبواب القوة للنهابين والسارقين.
قال الشاعر قديماً:
“قَوْمُنَا بَعْضُهمْ يُقَتِّلُ بعضاً
لا يَفُلُّ الحَديدَ إلاَّ الحَدِيدُ”
وهنا نسأل: أليس هناك غُبن للمواطن حين يرى من يتعدى على المال العام لا يُحاسب بينما هو في طريقه إلى الجوع؟ ألا ينطبق عليه “قوْمُنَا بَعْضُهمْ يُقَتِّلُ بعضاً”؟ أليست السلطة المُعطاة للحاكم، بوصفه “أبو السلطات والأمين على الدستور والقوانين”، تمنحه أن يحكم بالحديد كي يفل بالعدل حديد الفساد الذي إذا استمرَّ لا شكَّ يهدد مصير الدولة؟
أحياناً تضطر الدولة، أي دولة، إلى الاستعانة بخبراء من الخارج، خصوصاً إذا فشل مستشاروها في إيجاد حلول تخدم الصالح العام، أو إذا أتوا من خلفيات حزبية وقبلية وطائفية، ألم تفعل الصين ذلك، وهي يحكمها حزب حديدي وفيها الكثير من العقول، لكن حين رأى قائدها أنها تعاني المجاعة، وهي على شفير الإفلاس، استعان بخبير بريطاني، من أصل عراقي؛ كي يُنظم اقتصادها الذي أصبح في غضون ثلاثين سنة الثاني في العالم؟
ألم تستعن بعض الدول بخبراء في القانون، غربيين وأوروبيين، لتأسيس منظومة قانونية متماسكة، واستطاعت في سنوات قليلة أن تصبح في المراتب الأولى في الشفافية والنزاهة؟ ألم تفعل ذلك رواندا، التي عاشت حرباً أهلية طوال سنوات، وحين تيسرت لها قيادة حازمة أصبحت الأسرع تطوراً في التنمية عالمياً؟
ألم تستعن السعودية والإمارات وقطر وغيرها من الدول بخبراء من الخارج لإطلاق أعظم المشاريع؟ ألم تكن القيادة فيها تأمر فتتحول الأوامر حقيقة؟
في المقابل ماذا اليوم في الكويت، هل هناك بنية تحتية يمكن الاعتماد عليها؟ وهل لدينا اقتصاد يعول عليه، أو أن دخلنا عبارة عن نفط نبيعه، واستثمارات خارجية، أي أننا عرضة دائماً للأزمات، في حال تهاوت أسعار الأول، أو انتكست الثانية، ولقد جربنا ذلك عشرات المرات، آخرها أزمة العام 2008، وحالياً تعثر البنوك الأميركية، وقبل كل ذلك النهب الذي تعرضت له استثماراتنا خلال الغزو والاحتلال؟
رغم ذلك، فالغالبية من أبناء الكويت، ومنذ ستة عقود، تصرخ بأعلى الصوت: استغلوا الصحراء في مشاريع تنموية، صناعية وأمن غذائي، وسياحة، على غرار الدول المجاورة، التي أخذت أفكارها من الكويت، وعملت بها، فيما نحن حالياً نسير على طرق محفرة، وبنية تعليمية فاسدة، واقتصاد جامد.
أليس لدينا مستشفيات ومراكز صحية تكفي 20 مليون نسمة؟ فلماذا لا نستفيد منها عبر تحويل الكويت مستشفى الشرق الأوسط؟ وفي هذا الشأن انظروا إلى الإمارات والسعودية، وتعلموا منهما.
أنين الشعب أصبح صراخاً، خصوصاً فيما يراه من حرمنة في المشاريع التي تتحوَّل ملايينُها إلى يخوت وتهدر في صالات القمار، لذا لم تبقَ له إلا القيادة التي لديها كل الصلاحيات لوقف ما تعيشه البلاد، ولهذا الشعب ينادي: يا ولاة الأمر، الكويت تُناديكم فأنصفوها من جَوْر الفاسدين، ومن توقف التنمية، والتقهقر المُفزع.

You might also like