يا ولاة الأمر… نصيحة سنان لسليمان القانوني: ناس للتدمير وأخرى للتعمير
أحمد الجارالله
حين يكون المسؤول ميدانياً يتابع المهمة الموكولة اليه بأمانة ستكون النتائج جيدة، حتى لو كان هناك أخطاء ما، يمكن تلافيها، لكن عندما تترك الأمور إلى المستشارين وصغار الموظفين فإن النتائج لا شك ستكون كارثية.
في هذا الشأن يمكن العودة إلى قصة السلطان العثماني سليمان القانوني، الذي تميز بعدم الركون إلى المستشارين فكان يتابع شؤون الدولة عن كثب، وفي عهده بلغت الإمبراطورية العثمانية أوج ازدهارها واتساعها.
وللدلالة على حنكته يحكى أنه طلب يوماً أن يؤتى إليه بمهندس موثوق بعلمه وأمانته، فجيء إليه بمهندس من أصل أرمني اسمه سنان، فعهد إليه بهدم إحدى السرايات القديمة و إنشاء أخرى جديدة مكانها.
بعد انتهاء المشروع، استدعى السلطان المهندس وقال له: “عندما كنت تهدم السرايا استخدمت عمالا، ثم استبدلتهم بعمال آخرين في البناء، فلماذا فعلت ذلك”؟
أجابه المهندس: “ناس للتدمير وناس للتعمير، ومن يصلح للتدمير لا يصلح للتعمير”، أعجب السلطان بحكمة المهندس وعينه مستشاراً له، ولقد فتحت هذه العبارة الكثير من الأبواب لسليمان القانوني، لأنه أدرك أن بعض الناس، ربما يكونون من أصحاب اختصاص معين لكنهم لا يتمتعون بالحنكة والحرفة التي تؤهلهم لإدارة المرفق الذي يتولونه، فيصبح هؤلاء مجرد موظفين يتلقون الأوامر من غيرهم، وربما يكون أولئك أقل تعليماً منهم.
سليمان القانوني لم يتوقف عند جنسية ودين ومعتقد المعمار سنان الذين أصبح بعد فترة وجيزة مهندس النهضة العمرانية العثمانية، في القرن السادس عشر، ولا تزال بعض المباني التي شيدها شاهدة إلى يومنا هذا، وهو الأمر أيضا الذي ينطبق على غالبية الدول التي استعانت بأجانب من أجل تنفيذ مشاريعها الانمائية.
هكذا فعلت الإمارات التي أصبحت اليوم لديها بنية تحتية متطورة، كذلك فعلت المملكة العربية السعودية التي تبني اليوم مدينة نيوم، هو مشروع سعودي عابر للحدود، تبلغ مساحته 26.5 الف كيلومربع، وكذلك قطر التي في غضون عشر سنوات عملت على إعادة بناء الدولة، وهذه الدول، وغيرها الكثير، عملت فيما يمكن أن يجعلها قوة إنمائية ولم تتوقف عند الغترة والعقال والدشداشة، وعقدة المواطن.
علينا أن نعترف بأنه لا يمكن إدارة المؤسسات بأشخاص جرى تجريبهم أكثر من مرة وكانوا أكثر تدميراً من التعمير، إلى حد درجة أن بعض الوزراء والمسؤولين يعاد تدويرهم عشرات المرات، وكأن ما في بالبلد إلا هالولد، فيما غيرنا لم يتوقف عند هذا الأمر، فالبناء يحتاج إلى إدارة مختلفة غير التي فشلت والتي تسعى إلى تغطية عجزها من خلال إشاعة الفساد والواسطات والحماية العائلية والقبلية والطائفية، والرشوة وإهمال المال العام.
لو أن لدينا معماراً كسنان ورأى البنية التحتية والطرق لدينا، في ظل غياب المتابعة من المسؤولين التنفيذيين، لكان هدم كل الكويت وأعاد تشييدها من جديد، لكن كل ذلك يبقى بحاجة إلى توجيهات، وإدارة وعزيمة وإلى رجال، والتخلص من عقدة “هذا ولدنا” و”حب الخشوم”، فإدارة الدولة مهمة عظيمة لا يدرك معناها إلا من يعرف معنى أن الوطن هو الملجأ الذي لا يمكن التخلي عنه، ولا يمكن تركه في مهب ريح الأهواء، والمصالح الشخصية.
ahmed@aljarallah.com