التداعيات الإقليمية لرحيل الرئيس التشادي

0 633

د.خالد الشرقاوي السموني

تعد وفاة الرئيس التشادي إدريس ديبي بمثابة ضربة لمجموعة الساحل الخمسة (موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد)، التي أُنشئت عام 2014 للاستجابة للتحديات الأمنية والتنموية في المنطقة، والتي أدى فيها الراحل دورا مهما في مجال مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء. فقد قضى ثلاثين عاما في السلطة، وأصبح بمرور الوقت عنصرا أساسيا وصديقا متميزا لفرنسا في أفريقيا. والسؤال الذي نطرحه في هذا الصدد: ما دور تشاد في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل وبحيرة تشاد؟ وما العواقب التي قد تترتب على رحيل الرئيس ديبي على دور الجوار واستقرار المنطقة؟
تؤدي تشاد دورا أساسيا بمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، وبعد وفاة الرئيس إدريس ديبي، هناك احتمالات قوية لدخول المنطقة حالة عدم الاستقرار، ويمكن أن يكون لذلك عواقب وخيمة على دور تشاد في محاربة الجماعات الارهابية مثل “بوكو حرام” و”تنظيم الدولة الإسلامية”.
فالرئيس ديبي جعل من الجيش التشادي قوة فعالة لمواجهة التهديد “الجهــــــــادي” الارهابي، وساهــــــم بشكل كبير بالاستقرار الإقليمي، لا سيما في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف في منطقـــــة الساحل وبحيرة تشاد. دون أن ننسى أن ديبي كان شريكا أساسيا لفرنسا والأمم المتحدة في هذا المجال.
وكما هو معلوم، تشاد محاطة حدوديا بدول غير مستقرة، مثل ليبيا والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، ويمكن أن تتأثر هذه البلدان من تصاعد الجماعات المسلحة والمهربين والجهاديين في حال تراجع دور تشاد في مجال التصدي للجماعات الارهابية التي تنشط في الحدود مع جيرانها، خاصة أنها تعتبر مفترق طرق للتوترات الاقليمية بالمنطقة، وأيضا حصنا ضد تدفق الإرهابيين من الساحل إلى منطقة بحيرة تشاد، ولهذا السبب أعربت دول الجوار عن قلقها بشأن الوضع الحالي في البلاد، لأنها تبدو غير قادرة على السيطرة على حدودها الطويلة مع تشاد من دون قوة تشادية داعمة.
علاوة على ذلك، فإن تشاد، التي كانت تتمتع باستقرار نسبي في عهد الراحل، وتحتل موقعا جغرافيا ستراتيجيا في منطقة مضطربة ومتغيرة، تؤدي دورا رئيسيا في محاربة الجماعات الجهادية في حوض بحيرة تشاد، فقد تدخلت عام 2014 للقتال ضد “بوكو حرام”، وشاركت بـ 1440 جنديا في “مينوسما” (بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي).
كما أنها نشرت شهر فبراير الماضي 1200 جندي في إطار القوة متعددة الجنسيات المناهضة للجهاديين، لتعزيز عملية “برخان”، في إطار القوة المشتركة لمجموعة الساحل” G5″ (مالي وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا وتشاد).
أما تداعيات وفاة الرئيس ديبي على الاستقرار الإقليمي، فنرى، كما يرى كثير من المحللين، أن رحيله من شأنه زعزعة الاستقرار بالمنطقة، بل حتى داخل البلد نفسه، لأن تشاد تمر بفترة انتقالية شديدة الغموض، فقد تم الإعلان عن مجلس عسكري انتقالي برئاسة الجنرال محمد إدريس ديبي، نجل الرئيس الراحل، الذي اتخذ سلسلة من التدابير الاستثنائية، بما في ذلك تعليق الدستور، وحل الجمعية الوطنية والحكومة، وإعلان حظر التجول. هذه التدابير انتقدتها الأحزاب السياسية المعارضة وجزء من المجتمع المدني، وقد رفضت صيغة “المجلس العسكري الانتقالي”، وأيضا عدم احترام الدستور الذي ينص على أن رئيس الجمعية الوطنية هو من يقود المرحلة الانتقالية، وتطالب المعارضة بتسيير الأمور للفترة الانتقالية من قبل المدنيين، كما تدعو للحوار، وتحذر فرنسا من التدخل بالشؤون الداخلية للبلاد.
من المؤكد أن هذه الأحداث والتطورات التي أحدثت اضطرابات في البلد ستجعل الوضع أكثر تعقيدا، ويمكن أن يكون لها تأثير مباشر على الاستقرار الداخلي، لا سيما إذا فشل المجلس العسكري الانتقالي بتحقيق الأمن والاستقرار في البلد وتحقيق الانتقال الديمقراطي، وأيضا إذا لم تحترم تشاد التزاماتها العسكرية الدولية. في مواجهة هذا الوضع السياسي الداخلي والتهديدات الإرهابية في المنطقة، أصبح من الضروري إعادة النظر في الترتيبات الأمنية لحلفاء تشاد في منطقة الساحل، خاصة مجموعة دول الساحل الخمس” G5″ مع الأخذ بالاعتبار أن تشاد قد تولت للتو رئاسة “مجموعة الساحل”، وتعد حجر الزاوية والمساهم الأكبر فيها. تحتاج مجموعة “دول الساحل” حاليا إلى إجراءات مشتركة وفورية متضافرة مع شركائها، بدعم من الشركاء الأفارقة، مثل المغرب، الذي أصبح له دور مهم في مجال مكافحة الإرهاب على الصعيد الإفريقي، كما أصبح شريكا لمجموعة” G5″ لمواجهة التحديات الأمنية والتنموية في المنطقة.
وأيضا الشركاء الأوروبيون، وعلى رأسهم فرنسا، الحليف التقليدي لتشاد، للمساهمة في تأمين الانتقال السلس للسلطة وتطوير رؤية ستراتيجية تحسبا للمخاطر والتهديدات الأمنية في المستقبل، لانه في حال انهار النظام التشادي ستعم الفوضى المنطقة، وستستفيد من ذلك الجماعات الإرهابية التي تشكل خطرا على الأمن والاستقرار والتنمية في أفريقيا.

أستاذ بكلية الحقوق بالرباط
وخبير في حقوق الانسان والإرهاب

semmouni@yahoo.fr

You might also like