ما هكذا تورد الابل يا “ائتلاف”
هل ما يحدث في جنيف يخدم الشعب السوري ويقصر عمر المعاناة التي يرزح تحتها الملايين منذ ثلاث سنوات؟ وهل مطالب الائتلاف المعارض واقعية أم هي تطيل أمد نزيف الدم؟
كان على هذا الائتلاف, غير المؤتلف بين مكوناته, ان يستغل مؤتمر جنيف لتحقيق أهدافه, فإذا أراد ان يطاع فعليه أن يطلب المستطاع, فالمستحيل حاليا يصبح ممكنا لاحقا, لذا عليه ألا يجعل الدم السوري رهينة مساومات يعرف مسبقا أنها لن تفضي به الى أي مكان.
نعم, كان على وفد المعارضة المطالبة بممرات إنسانية وفك الحصار عن المدن وايصال المؤن والمساعدات الى عشرات آلاف الجوعى في العديد من المناطق, وإطلاق سراح المعتقلين, لكن للاسف فإن الكارثة الانسانية لم تؤخذ بالحسبان, وقفز وفد الائتلاف الى المطالبة بتسلم السلطة رغم علمه ان الامر مستحيل حاليا, فهذه السلطة عملت وتعمل منذ 44 عاما على بناء ذاتها وتحالفاتها وعلاقاتها واستثمرت كل ذلك في هذا الصراع, كما أنها استفادت من دعم روسي وايراني وصيني, واصطفاف عراقي ولبناني, وتأييد من دول كثيرة, من أجل البقاء وهي لاتزال تحظى بتأييد الجيش والاجهزة الأمنية, وبتأييد نسبة لابأس بها من الشعب… ولو كانت عازمة على تقديم هذا التنازل لما خاضت هذه الحرب الشرسة.
لقد استند النظام, في دعايته طوال السنوات الثلاث الماضية, الى مقولة محاربة الارهاب, وهو شعار لا يمكن لدولة في العالم ان ترفضه لأنها كلها اكتوت بناره, وقد استطاع تسويق شعاره الى حد بات معه الحديث اليوم في الاروقة الدولية يجري عن محاربة الارهاب, فيما الائتلاف المعارض لم يقدم ما يدعم قدرته على محاربة الارهاب وإقصاء الجماعات المتطرفة التي كفرته وخاضت حربا شرسة ضده.
في الحرب الاهلية السورية سقط عشرات آلاف القتلى ومئات آلاف الجرحى وملايين النازحين والمهجرين, وحتى اليوم لا تلوح في الافق اي بوادر لغلبة فريق على آخر, بل المنتصر فيها مهزوم, لذلك من واجب الجميع اليوم النظر الى معاناة شعبهم والعمل على تخفيفها, كي لا يتحول مؤتمر جنيف سببا جديدا لإطالة عمرها.
على السوريين ان يتعلموا من الدرس الفلسطيني في العام 1948 فعندما أقفل, الرافضون قرار تقسيم فلسطين, الابواب أمام اي حوار خسروا أرضهم, ولو تعاملوا بواقعية معه لكانت اسرائيل مجرد دولة معروفة الحدود, ولكان الفلسطينيون وفروا على أنفسهم مئات آلاف القتلى وملايين النازحين ولكان لهم وطن.
لا مفر للسوريين من الحل السياسي لإخراج بلدهم من هذه المقتلة, وهو ما نادت به غالبية الدول المعنية بالازمة, بل هناك من يطرح جديا الاستفتاء الشعبي على السلطة, وقد أيده النظام وروسيا وايران وحتى الولايات المتحدة الاميركية, لذلك على الائتلاف ان يذهب الى وقف لاطلاق النار والبدء بفتح ممرات إنسانية لانهاء المعارك العسكرية تمهيدا لاجراء الاستفتاء بإشراف الامم المتحدة فإما ان يفوز بها أو يفوز النظام الحالي.
مهما كان الصراع السياسي قاسيا, يبقى أهون من الحرب, وخسائره أقل بكثير من سفك الدماء, وعلى الائتلاف ان يتعامل بواقعية تفرضها المعاناة الشعبية كي لا يعود من جنيف بخفي حنين ويفقد المزيد من رصيده الشعبي.
على السوريين اغتنام هذه الفرصة ليضعوا حدا للكارثة الانسانية وإلا ستصبح حربهم منسية, فالعالم لديه ما يكفيه من الأزمات والمشكلات, ولن يبقى الى الابد منشغلا بما يجري في سورية, والقضية الفلسطينية والصومال المثال الأكثر وضوحا في هذا الشأن.